من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثير من المتعلمين الراغبين في إتقان اللغة الإنجليزية هو عدم إدراكهم لوجود نظم ومنهجيات محددة تساعد على التعلم بشكل فعّال. فغالبًا ما يعتمد هؤلاء على طرق عشوائية وغير منظمة، مثل البحث السريع عبر الإنترنت عن مصادر غير موثوقة، أو اتباع نصائح الأصدقاء دون تمحيص، أو حتى الاعتماد على افتراضاتهم الشخصية التي قد لا تكون مبنية على أسس علمية. ونتيجة لذلك، لا يحرزون تقدماً حقيقياً في تعلم اللغة الإنجليزية، مما يؤدي إلى شعورهم بالإحباط والتوقف عن المضي قدماً في التعلم.
ولا يقتصر هذا الخطأ على الأفراد فقط، بل حتى بعض مراكز ومعاهد تعليم اللغة الإنجليزية تقع في ذات الفخ. حيث تركز بشكل مفرط على تعليم القواعد اللغوية فقط، متجاهلةً الأهمية الكبرى لمهارة القراءة، التي تُعد أحد الركائز الأساسية والفعالة في اكتساب اللغات وتطوير المهارات اللغوية.
إذا كنت مبتدئًا في تعلم اللغة الإنجليزية، فاعلم أن فهم بعض الفرضيات العلمية والمثبتة سيمكنك من تحقيق تقدم ملحوظ في تعلمك، بل وقد يمكنك من التعلم بنفسك ومن منزلك دون الحاجة إلى حضور دورات معقدة.
وفي هذا السياق، سأوضح لك في هذا الموضوع الفرضيات الخمس التي وضعها عالم اللغة الشهير ستيفن كراشن (Stephen Krashen) في كتابه المعروف “النهج الطبيعي” (The Natural Approach)، والتي تشكل أساساً قوياً وفعّالاً لتعلم اللغة الإنجليزية بطريقة سهلة وطبيعية.
تُعد فرضيات كراشن من الأسس المهمة التي وضعها عالم اللغة ستيفن كراشن لتوضيح أفضل الطرق التي يمكن من خلالها تعلم اللغة الثانية بفاعلية وسهولة. وقد ركز كراشن في نظريته على التمييز بين عدة جوانب أساسية لتعلم اللغة، والتي تساعد المتعلم على بناء مهاراته بطريقة طبيعية ومنهجية. وقبل أن نشرع في شرح هذه الفرضيات، من المهم التنويه إلى أن بعض العلماء قد وجهوا انتقادات وتعديلات على بعض منها، لذلك سنعرضها مع تقديم طرق بديلة للاستفادة منها بشكل أفضل.
جدول المحتويات
Toggleفرضية التعلم والاكتساب (The Acquisition-Learning Hypothesis)
أولا: تعلم اللغة
في البداية، علينا التفريق بين مفهومي “التعلم” و”الاكتساب” للغة الإنجليزية، وهما عنصران مكملان لفهم العملية التعليمية.
- التعلم هو عملية واعية تتضمن اكتساب معلومات رسمية عن اللغة، مثل القواعد اللغوية، والأفعال، والتراكيب، ويتم عادةً من خلال الدراسة المنظمة، مثل الحصص التعليمية أو الدروس.
- الاكتساب هو عملية تحدث بشكل غير واعٍ وطبيعي، حيث يكتسب المتعلم اللغة من خلال التعرض المستمر لها في مواقف الحياة اليومية، مثل الاستماع إلى القصص، ومتابعة البرامج، والتفاعل باللغة بشكل عملي.
عندما نتحدث عن القواعد، فإننا نعني هنا “التعلم” بالمعنى الرسمي، وهو ما يحدث داخل الفصل الدراسي. بينما الاكتساب يتم بصورة طبيعية دون جهد واضح.
على الرغم من أن العديد من معلمي اللغة يعتقدون بأهمية الدروس المكثفة والتركيز على القواعد، إلا أن كراشن يشير إلى أن دور هذه الحصص ينبغي أن يكون محدوداً لتقديم الأساسيات فقط، ومن ثم يُترك المجال للمتعلم لكي يطور مهاراته اللغوية بنفسه عبر عملية الاكتساب.
وأنا أتفق مع هذا الرأي، وأرى أن أفضل طريقة لتعلم اللغة الإنجليزية للمبتدئين تكمن في إيجاد توازن بين التعلم المنهجي والاكتساب الطبيعي.
وأنصحك بأن تبدأ بدروس تركز على القراءة وفهم القواعد الأساسية، ثم تمنح نفسك فترة راحة من الدراسة المكثفة. بعد ذلك، يمكن الانتقال إلى مرحلة الاكتساب عبر القراءة المتكررة للقصص الممتعة، ومتابعة البرامج التلفزيونية التي تثير اهتمامك.
كما يمكن الاستمرار في دراسة القواعد بشكل منتظم ولكن غير مكثف، مثلاً حصتين أو ثلاث حصص في الأسبوع كحد أقصى، مع التركيز الأكبر على التعرض الطبيعي للغة. لأن الاعتماد فقط على التعلم النظري قد يجعلك تشعر بالثقة داخل الصف، لكنه في الواقع قد يتركك غير قادر على استخدام اللغة في الحياة اليومية.
شروط حصص اللغة الناجحة وفق نظرية كراشن:
عدم التركيز المفرط على القواعد: يرى كراشن أنه من الأفضل الابتعاد عن دراسة القواعد بشكل مكثف والتركيز بدلاً من ذلك على أنشطة ممتعة مثل قراءة القصص القصيرة أو مشاهدة مقاطع الفيديو باللغة الإنجليزية. ومع ذلك، أرى أن القواعد لا تزال مهمة للمبتدئين في البداية، ولكن يجب دراستها بشكل متوازن دون إجهاد.
التحدث ببطء: من الضروري أن يكون المعلم يتحدث ببطء ووضوح، حتى يتمكن المتعلم من فهم الكلمات والعبارات بسهولة، مما يعزز من عملية التعلم والاكتساب.
اللغة البسيطة: يجب البدء بالمستويات السهلة والكتب المبسطة، فلا تخجل من قراءة الروايات المبسطة أو المواد التي تقدمها دور النشر العالمية مثل أكسفورد، والتي توفر روايات بلغات مبسطة ومناسبة للمبتدئين.
ثانياً: اكتساب اللغة الإنجليزية
يُعد اكتساب اللغة وتعلمها عمليتين مختلفتين تمامًا في جوهرهما. فعملية اكتساب اللغة تشبه إلى حد كبير الطريقة التي يكتسب بها الأطفال لغتهم الأم. حيث يبدأ الطفل بفهم اللغة المحيطة به تدريجيًا، ثم يبدأ باستخدامها في التواصل بشكل طبيعي وعفوي دون وعي مباشر.
أما بالنسبة لنا كمتعلمين للغة الإنجليزية، فنحن نكتسب اللغة من مصادر متعددة ومتنوعة، من بينها:
- قراءة الكتب باللغة الإنجليزية،
- مشاهدة الأفلام أو البرامج،
- إجراء محادثات مع أشخاص يتحدثون الإنجليزية.
تُعد هذه الأنشطة من أنجح الطرق لإتقان اللغة، وذلك لأنها تتم بأسلوب ممتع وطبيعي، مما يسهل ترسيخ اللغة في أذهاننا بشكل لا واعٍ.
ولكي تستطيع اكتساب اللغة الإنجليزية بشكل فعّال، يجب أن يكون هناك تواصل فعّال، أي استخدام اللغة بهدف فهم الطرف الآخر أو إيصال رسالة معينة إليه، بغض النظر عن صحة الجمل نحويًا. فالتركيز الأساسي يجب أن يكون على إيصال الفكرة بوضوح.
فعلى سبيل المثال، عندما تسأل البائع باللغة الإنجليزية ويرد عليك، يحدث بينكما “تواصل فعّال”، ومن خلال هذا التفاعل تكتسب كلمات جديدة تضيفها إلى رصيدك اللغوي، لتستخدمها فيما بعد مع أشخاص آخرين.
تجنب هذه الأمور إذا رغبت في اكتساب اللغة الإنجليزية بسهولة
- المبالغة في تصحيح الأخطاء:
لا تحاول أن تصحح كل كلمة أو جملة تقولها، خصوصًا إذا كنت مبتدئًا في تعلم اللغة. فالإصرار على التصحيح المفرط قد يؤثر سلبًا على تقدمك اللغوي، كما يمكن أن يُضعف ثقتك بنفسك نفسيًا. لذلك، استمر في التحدث بكل حرية وركز على إيصال فكرتك، ومع مرور الوقت والممارسة ستلاحظ تحسنًا كبيرًا في مستواك اللغوي. هذه النقطة تُعد من أهم الركائز في رحلتك لاكتساب لغة جديدة. - التدريس الرسمي والمباشر للقواعد:
يرى كراشن أن التركيز على التدريس الرسمي للقواعد اللغوية يساعد فقط على اجتياز الاختبارات التحريرية، لكنه لا يساهم بشكل فعال في اكتساب اللغة واستخدامها بطلاقة في الحياة اليومية. ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الرأي تعرض لانتقادات عدة، حيث يؤكد العديد من الباحثين على أهمية دراسة القواعد كجزء من عملية تعلم اللغة. - الحديث الأجنبي (Foreigner Talk):
يشرح كراشن في كتابه “The Natural Approach النهج الطبيعي.” أهمية الحديث الأجنبي كطريقة مساعدة على اكتساب اللغة بسرعة، لكنه يشدد على اختيار المتحدثين الذين تتوافر في حديثهم الخصائص التالية:- استخدام جمل قصيرة وبسيطة.
- استعمال مفردات شائعة وسهلة.
- التحدث ببطء ووضوح.
الفرق بين تعلم اللغة واكتساب اللغة
لزيادة الوضوح والفهم، يمكن تلخيص الفرق بين “تعلم اللغة” و”اكتساب اللغة” في الجدول التالي:
تعلم اللغة | اكتساب اللغة |
يشمل المعرفة الرسمية للغة | يشبه عملية تعلم الطفل للغة الأولى |
يعتمد على تعلم قواعد اللغة | يعتمد على التقاط اللغة عبر التفاعل |
يحدث بطريقة واعية | يحدث بطريقة غير واعية |
يتم من خلال التدريس والدروس: مثل حصص اللغة والدورات | يتم من خلال الأنشطة الطبيعية: مثل قراءة القصص الممتعة أو مشاهدة الأفلام |
يتبع أسلوب صريح ومباشر | يتبع أسلوب ضمني وغير مباشر |
نقد فرضية الاكتساب لكراشن
على الرغم من أن العالم ستيفن كراشن يؤكد على أهمية الاكتفاء بعملية الاكتساب في تعلم اللغة الإنجليزية، إلا أن هذه الفرضية لم تسلم من النقد العلمي.
فقد أشار الباحثان ماكلولين وقريق في عام 1984 إلى أن الاعتماد الكامل على الاكتساب فقط يعد أمرًا صعبًا للغاية، خاصةً بالنسبة للبالغين الذين تجاوزوا مرحلة الطفولة. حيث يواجهون صعوبة كبيرة في اكتساب اللغة بطريقة طبيعية كما يفعل الأطفال.
كما أكد اللغوي الشهير نعوم تشومسكي في عام 1975 على أن البالغين يمتلكون وصولًا محدودًا إلى ما يسمى بـ “جهاز اكتساب اللغة” (LAD)، والذي يفسر القدرة الفطرية للأطفال على تعلم لغتهم الأولى بسهولة. ومع تقدم الإنسان في العمر، تقل هذه القدرة بشكل ملحوظ، مما يصعّب عملية الاكتساب التلقائي للغة الثانية.
“العديد من الباحثين أشاروا إلى أن غالبية الأشخاص الذين اكتسبوا اللغات، بدأوا كمتعلمين، ثم تحولوا إلى مكتسبين يمتلكون كفايات لغوية عالية. وعلى الجانب الآخر، نجد أن هناك العديد من الأفراد الذين تلقوا لغاتهم الثانية في بيئتها الطبيعية ولم يكتسبوها اكتسابًا حقيقيًا”.
لذا، وبخلاف ما تدعو إليه نظرية كراشن من الاكتفاء بالاكتساب فقط، يرى العديد من الباحثين أن الاكتساب وحده لا يكفي، بل يجب أن يكمله التعلم المنهجي، خاصةً للمبتدئين من البالغين.
وإذا كنت تسعى لتعلم اللغة الإنجليزية بسهولة وفاعلية، فمن الأفضل أن تبدأ بإكمال دروس القراءة وحصص القواعد الأساسية. وبعد أن تكتسب هذه الأساسيات، يمكنك الانتقال إلى مرحلة الاكتساب، التي تتمثل في:
- قراءة القصص الممتعة،
- الاستماع إلى البرامج التلفزيونية أو الإذاعية بلغة واضحة ومفهومة.
أما بالنسبة للأطفال، فإن الاكتساب قد يكون كافيًا وحده، حيث يتمكنون من تعلم اللغة بطريقة طبيعية من خلال مشاهدة الأفلام الكرتونية أو الاندماج في بيئة ناطقة باللغة الإنجليزية.
فرضية التسلسل الطبيعي The Natural Order Hypothesis

تُعد فرضية التسلسل الطبيعي واحدة من الفرضيات الأساسية في نظرية كراشن. وهي تنص على أن تعلم اللغة الإنجليزية يحدث وفق تسلسل محدد يمكن التنبؤ به. بمعنى أن المتعلمين يكتسبون أجزاء معينة من اللغة بشكل متتابع ومنظم. حيث تُكتسب بعض القواعد في المراحل الأولى من التعلم، بينما تتأخر قواعد أخرى إلى مراحل لاحقة.
وقد أجرى ستيفن كراشن دراسات مهمة في عام 1974 لدعم هذه الفرضية، حيث لاحظ من خلالها أن قاعدة المضارع المستمر التي تُضاف لها النهاية “-ing” تُعتبر من أولى القواعد التي يكتسبها المتعلمون بسهولة ويسر. أما قاعدة الشخص الثالث المفرد التي تضاف لها النهاية “-s”، فتحتاج إلى فترة زمنية أطول حتى تُكتسب.
هذا يوضح أن ترتيب اكتساب القواعد اللغوية لا يعتمد فقط على مدى سهولتها أو تعقيدها، بل هناك نظام معين في تعلمها. فبعض القواعد يتم استيعابها في وقت مبكر، فيما يتم تأجيل اكتساب قواعد أخرى إلى مراحل لاحقة.
وبناءً على ذلك، يرى كراشن أنه بدلاً من دراسة القواعد بناءً على صعوبتها أو سهولتها المفترضة، يمكن للمتعلم أن يبدأ بدراسة القواعد التي تُكتسب بسرعة أكبر، مما يساعد على تحقيق تقدم أسرع في تعلم اللغة. وقد بيّن بعض هذه القواعد في جدول معين يوضح الترتيب الطبيعي لاكتسابها.
قواعد يكتسبها المتعلم في وقت مبكر (وفقاً لنظرية كراشن) | المضارع المستمر (ing)الجمع (Plural)فعل الكينونة (Copula (to beالفعل المساعد للمضارع المستمر (Auxiliary (progressive أدوات التعريف (a, the)الماضي غير المنتظم (Irregular past) |
قواعد يكتسبها المتعلم في وقت متأخر (وفقاً لنظرية كراشن) | الماضي البسيط (Regular past)الشخص الثالث المفرد (-s)الملكية (-s) |
لذا، من الأفضل لك كمتعلم أن تعتمد في دراستك على فرضية التسلسل الطبيعي، وتبدأ بدراسة القواعد التي تُكتسب بسرعة وسهولة وفق ترتيب الاكتساب الطبيعي.
ولا تعتمد فقط على الكتب التي تُرتب القواعد وفق مبدأ من الأسهل إلى الأصعب، إذ إن هذا الترتيب قد لا يعكس الواقع الفعلي لطريقة اكتساب اللغة.
وباتباعك لهذا الأسلوب، ستتمكن من تحقيق تقدم أسرع وأكثر فعالية في تعلم اللغة الإنجليزية.
نقد فرضية التسلسل الطبيعي لكراشن
رغم أهمية فرضية التسلسل الطبيعي التي قدمها كراشن، إلا أن بعض العلماء قد وجهوا لها انتقادات، من بينهم زوبل وودل في عام 1980. ويرجع ذلك إلى وجود فروق فردية كبيرة بين المتعلمين، بالإضافة إلى الاختلافات بين لغاتهم الأم.
فعلى سبيل المثال، يواجه المتعلم الصيني تحديات مختلفة تمامًا في تعلم اللغة الإنجليزية مقارنة بالمتعلم العربي. ولهذا السبب، فإن تعميم فرضية التسلسل الطبيعي على جميع المتعلمين بغض النظر عن خلفياتهم اللغوية يعد أمرًا غير دقيق.
ومع ذلك، فإنني شخصيًا أتفق مع كراشن في هذا الجانب، حيث إنني اكتسبت القواعد اللغوية بنفس التسلسل الذي وصفه. وما زلت أجد صعوبة في تطبيق قاعدة الشخص الثالث المفرد (-s)، رغم تقدمي في باقي القواعد.
لذا، إذا كنت مبتدئًا في تعلم اللغة الإنجليزية، فأنا أشجعك على اتباع هذا التسلسل قدر الإمكان، مع مراعاة أن كل متعلم قد يواجه بعض الاختلافات والتحديات الخاصة به.
فرضية المراقب The Monitor Hypothesis
تُشير فرضية المراقب التي طرحها ستيفن كراشن إلى أن اللغة التي نَتعلّمها تعمل كنوع من “المراقب” أو المصحح للغة التي اكتسبناها بشكل طبيعي.
بمعنى أن الطلاقة اللغوية التي نتمتع بها تعتمد بشكل أساسي على الاكتساب اللاواعي للغة، بينما تقتصر وظيفة القواعد النحوية التي تعلمناها بوعي على تصحيح الأخطاء اللغوية وإجراء مراجعات بسيطة لما نستخدمه من لغة مكتسبة.
إلا أن العالم ماكلولين يعارض هذا الرأي، حيث يرى أن الكلام ليس مجرد تعبير عشوائي ينشأ من عملية اكتساب فقط. بل هو عملية منظمة تخضع لقواعد محددة.
فإذا كان الكلام يعتمد فقط على الاكتساب دون استخدام القواعد الواعية، فإن متعلمي اللغة الثانية قد ينطقون الكلمات بشكل غير مفهوم وعشوائي، مما يفقد كلامهم المعنى.
ومن هذا المنطلق، لا يمكن تجاهل دور اللغة التي تعلمناها بوعي، خاصة في المواقف التي تتطلب دقة لغوية أو تواصلاً رسميًا.
شروط استخدام فرضية المراقب The Monitor Hypothesis
يشير كراشن إلى أن تطبيق فرضية المراقب يتطلب توافر ثلاثة شروط رئيسية، وهي كالتالي:
- معرفة القواعد النحوية:
يجب على المتعلم أن يكون ملمًا بالقواعد النحوية للغة. وهذا يشكل تحديًا للمبتدئين، إذ من الصعب عليهم الإلمام بجميع القواعد، وحتى إن تمكنوا من فهمها، فقد يواجهون صعوبة في تذكرها واستخدامها بشكل مستمر أثناء الحديث. - التركيز على تصحيح الأخطاء فور حدوثها:
يتطلب هذا الشرط جهدًا كبيرًا، حيث من الصعب جدًا التفكير في تصحيح الأخطاء أثناء الانشغال بالتواصل والتحدث، خصوصًا في المحادثات السريعة. - توفر الوقت الكافي لتصحيح الجمل قبل النطق بها:
في الواقع، من النادر وجود الوقت الكافي لتصحيح كل جملة قبل قولها خلال المحادثات اليومية، لأنها غالبًا تكون سريعة ومختصرة.
وبناءً على ذلك، يوضح كراشن (1982، 2003) أننا نطبق هذه الشروط بشكل أكبر في الاختبارات الدراسية الخاصة بالقواعد، وليس في المواقف الحياتية اليومية التي تتطلب تواصلاً طبيعيًا.
تقسيم المتعلمين وفقًا لفرضية المراقب The Monitor Hypothesis
يصنّف كراشن المتعلمين إلى ثلاث فئات رئيسية، وذلك بناءً على الطريقة التي يتعاملون بها مع “المراقب اللغوي” أثناء استخدامهم للغة الإنجليزية. ويُقصد بالمراقب هنا: النظام الذي يعتمد على المعرفة بالقواعد لتصحيح اللغة أثناء استخدامها. وفيما يلي عرض تفصيلي لهذه الفئات:
1. المبالغة في استخدام المراقب The Monitor Hypothesis
يمثل هذه الفئة من المتعلمين أولئك الذين يسعون إلى المثالية اللغوية، إذ يبالغون في تدقيق كل ما يقولونه، ويحرصون على أن تكون جملهم خالية تمامًا من الأخطاء. هذا الحرص الزائد يجعلهم مترددين في الحديث، بل وقد يمتنعون أحيانًا عن التحدث خوفًا من الوقوع في الخطأ النحوي أو اللغوي.
ويشير كراشن إلى أن هذا السلوك قد يعود إلى اعتمادهم الكامل على تعلم اللغة من خلال القواعد والدروس النظرية، دون أن يصاحب ذلك اكتساب طبيعي للغة عبر الاستماع والممارسة. وقد يكون بعضهم قد اكتسب اللغة بدرجة مقبولة، إلا أن ضعف الثقة بالنفس يمنعهم من استخدامها بحرية في التواصل.
وهذه الفئة من المتعلمين – على الرغم من اجتهادهم – يعيقهم الحرص الزائد ويمنعهم من التقدم الفعلي في مهارات التحدث، إذ يخشون من ارتكاب الأخطاء أكثر من رغبتهم في التواصل.
2. تجاهل استخدام المراقب The Monitor Hypothesis
يقع تحت هذه الفئة المتعلمون الذين لا يبالون كثيرًا بصحة لغتهم، إذ يتحدثون دون أي تدقيق في ما يقولونه، حتى وإن كانت لغتهم مليئة بالأخطاء. وقد يكون سبب ذلك اعتمادهم الكبير على الاكتساب الطبيعي للغة (كالاستماع والمحادثة) مع إهمالهم لتعلم القواعد.
وهذه الفئة قد تكون جيدة في التواصل، إلا أن كثرة الأخطاء قد تؤثر سلبًا على وضوح رسائلهم، لا سيما في المواقف الرسمية أو المهنية. كما أن عدم الاهتمام بتحسين اللغة المكتسبة من خلال التعلم المنظم قد يُبطئ من تطورهم على المدى الطويل.
3. الاستخدام الأمثل للمراقب The Monitor Hypothesis
يمثل هذه الفئة المتعلمون الذين يستخدمون المراقب اللغوي استخدامًا متزنًا ومناسبًا. فهم يدركون متى ينبغي التركيز على صحة اللغة ومتى يجب تقديم التواصل على التدقيق.
فعلى سبيل المثال، في المحادثات اليومية أو أثناء التفاعل مع الزملاء أو العملاء، يُركّزون على إيصال الفكرة بوضوح دون التوقف كثيرًا عند الأخطاء البسيطة. أما في المواقف الرسمية، كالعروض التقديمية أو المراسلات المكتوبة، فإنهم يلجؤون إلى تدقيق لغتهم بعناية، ويطبقون ما تعلموه من قواعد لضمان دقة اللغة واحترافيتها.
وهذه الفئة هي الأقرب إلى النموذج المثالي للمتعلمين، إذ تجمع بين الاكتساب والتعلم بشكل متوازن. فهم لا يهملون اكتساب اللغة من مصادر طبيعية كالقراءة والمشاهدة والتحدث، وفي الوقت نفسه يعززون هذا الاكتساب بدراسة القواعد ومراجعة الأخطاء، مما يمنحهم قدرة حقيقية على استخدام اللغة بطلاقة ودقة في آنٍ واحد.
نقد فرضية المراقب The Monitor Hypothesis
على الرغم من أن كراشن يرى أن تطبيق فرضية المراقب يتطلب وقتًا كافيًا حتى يتمكن المتعلم من مراجعة حديثه والتأكد من صحته اللغوية، إلا أن دراسة أجراها الباحث هولستين (Hulstijn) عام 1984 قدمت نتائج تشكك في صحة هذا التصور.
في هذه الدراسة، قام الباحثان بتقسيم المشاركين إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: طُلب منهم التحدث بسرعة دون التركيز على القواعد النحوية.
المجموعة الثانية: أُعطيت وقتًا أطول وطُلب منهم التركيز على صحة الجمل النحوية.
وبالرغم من اختلاف الظروف في الحالتين، إلا أن المشاركين استخدموا جملًا صحيحة في كلتا المحاولتين. وهذا يدل على أن امتلاك المتعلم للقدرة على إنتاج جمل سليمة نحويًا لا يتوقف على توفر الوقت، بل يرتبط غالبًا بما تعلمه من قواعد سابقة.
من جانب آخر، يرى الباحث سكين (Skehan, 1989) أن المتعلمين يختلفون بطبيعتهم في طريقة تعاملهم مع اللغة. فبعضهم يتميز بالميل إلى الكمالية، حيث يحرص بشدة على صحة الحديث وخلوه من الأخطاء، بينما يركز آخرون على التواصل ونقل المعنى، دون إيلاء أهمية كبرى لصحة التراكيب النحوية.
وبناءً على هذه الفروق الفردية، يخلص الباحث ماكلولين إلى أن تطبيق فرضية المراقب لا يعكس وجود نظام لغوي داخلي منفصل كما يقترح كراشن، بل هو نتيجة لاختلاف قدرات المتعلمين على استخدام القواعد التي تعلموها. وبالتالي، فإن “المراقب” في حد ذاته ليس العامل الحاسم، بل تعلّم القواعد هو الذي يؤثر في مدى صحة اللغة المستخدمة.
فرضية المدخلات اللغوية The Input Hypothesis
تشير “المدخلات اللغوية” إلى اللغة التي تصل إلى أدمغتنا عن طريق الاستماع أو القراءة. في حين أن “المخرجات اللغوية” تعني اللغة التي ننتجها من خلال التحدث أو الكتابة. ويُعتبر هذا التمييز أساسيًا لفهم عملية اكتساب اللغة، إذ تعتمد قدرتنا على التحدث والكتابة بدرجة كبيرة على كمية ونوعية ما نتلقاه من استماع وقراءة.
ومن هنا، يتضح أن المدخلات تسبق المخرجات وتُشكِّل الأساس لها. فعلى سبيل المثال، إن كنت تسعى إلى التحدث بطلاقة باللغة الإنجليزية، فإنك بحاجة إلى تعريض نفسك باستمرار لمحتوى سمعي ومقروء بلغة مفهومة وواقعية. وهذا ما يغفل عنه كثير من المتعلمين، حيث يركزون منذ البداية على إنتاج اللغة من خلال التحدث، ويُهملون المدخلات التي تُعدّ المصدر الرئيسي لتطوير المهارات اللغوية.
وتُعد “فرضية المدخلات اللغوية” من أبرز الفرضيات التي قدَّمها العالم اللغوي ستيفن كراشن، وهي تحاول الإجابة عن السؤال الجوهري في تعليم اللغة: كيف نكتسب اللغة؟. ويُجيب كراشن بأن الاكتساب يحدث عندما نُفهم محتوىً لغويًا موجَّهًا إلينا باللغة المستهدفة.
بمعنى آخر، نكتسب اللغة من خلال فهم الرسائل التي نسمعها أو نقرؤها، بشرط أن تكون هذه الرسائل مفهومة، لكنها تتضمن عناصر لغوية (مفردات أو قواعد) لم نتقنها بعد، ولكننا مهيّأون لاكتسابها في هذه المرحلة.
ولشرح هذه الفكرة بشكل أوضح، يُمكن الربط بين فرضية المدخلات وفرضية التدرج الطبيعي التي تقول إن هناك ترتيبًا معينًا لاكتساب القواعد النحوية. ومن الأفضل أن لا نسأل: “كيف نكتسب اللغة؟”، بل أن نسأل: “كيف ننتقل من مرحلة لغوية إلى المرحلة التالية؟”.
وفقًا لكراشن، إذا كانت القاعدة “i” ترمز إلى آخر قاعدة نحوية تمكَّن المتعلم من اكتسابها، فإن الانتقال إلى القاعدة “i+1” يحدث عبر فهم المدخلات التي تحتوي على هذه القاعدة الجديدة. فحينما نفهم نصًا يتضمن هذه القاعدة التي لم نكتسبها بعد، فإن عقولنا تكون قادرة على إدراكها واستيعابها، مما يؤدي إلى ضمها تدريجيًا إلى المعرفة اللغوية لدينا.
ويُشدد كراشن على أن المدخلات يجب أن تكون مناسبة لمستوى المتعلم. فالنصوص أو الرسائل اللغوية التي تكون سهلة جدًا لا تُسهم في تطوير اللغة، لأنها لا تضيف شيئًا جديدًا إلى المخزون اللغوي. وكذلك، فإن النصوص الصعبة جدًا والتي تحتوي على عدد كبير من الكلمات أو القواعد غير المفهومة قد تُربك المتعلم وتُصيبه بالإحباط. ولهذا، فإن المدخل المثالي هو ما يُعرف بمفهوم “i+1″؛ أي محتوى يفوق مستوى المتعلم بدرجة واحدة فقط، ويُعزز فهمه تدريجيًا دون أن يشعر بالإرهاق أو التشتت.
إن تركيز المتعلم على الاستماع المتكرر والقراءة المستمرة لمحتوى مفهوم وغني يُعد الطريق الفعّال نحو تحسين المخرجات اللغوية، من حيث الطلاقة والقدرة على التعبير. ومن دون مدخلات مناسبة، تبقى المخرجات ضعيفة ومحدودة، مهما حاول المتعلم أن يُكثر من التحدث أو الكتابة.
حقائق مذهلة عن اكتساب اللغة
من الحقائق اللافتة في عالم تعلم اللغات أن اكتساب اللغة لا يتطلب مجهودًا شاقًا أو معقدًا. فكل ما تحتاج إليه هو أن تفهم الرسائل اللغوية الموجهة إليك، سواء كانت مسموعة أو مقروءة. فعندما يكون المحتوى مفهوماً بالنسبة لك، تبدأ عملية الاكتساب تلقائيًا، دون أن تضطر لبذل جهد ذهني كبير في حفظ القواعد أو ترديد المفردات.
فالاكتساب اللغوي يحدث بشكل طبيعي وغير واعٍ، بشرط أن يكون المحتوى الذي تتعرض له يقع في مستوى قريب من مستواك الحالي، أو يفوقه بدرجة بسيطة فقط. ولهذا، إذا كنت تسعى لتعلم اللغة الإنجليزية بفعالية، فعليك أن تختار مواد تعليمية تناسب مستواك مباشرة، أي أن تكون في نطاق ما يُعرف بـ “i+1” — وهي درجة واحدة فوق مستواك الحالي.
على سبيل المثال، إذا كنت مبتدئًا في المستوى الأول، فابدأ بمواد مصممة للمستوى الثاني، مثل قصص مبسطة، أو برامج حوارية تعليمية، أو فيديوهات قصيرة يمكن فهمها بسهولة، دون الحاجة إلى ترجمة متواصلة.
في المقابل، تجنب النصائح التي توصي بمتابعة نشرات الأخبار أو قراءة الصحف والمجلات الإنجليزية المعقدة، لأنها غالبًا ما تحتوي على مفردات وتراكيب لغوية تفوق مستوى المتعلم المبتدئ، مما يؤدي إلى الإرباك والإحباط بدلاً من التعلم.
كذلك، من المهم أن تختار موادًا تتماشى مع اهتماماتك الشخصية، حتى لو كانت روايات موجهة للمراهقين أو قصص خيالية بسيطة. فالدافع الشخصي يلعب دورًا جوهريًا في تحسين الفهم واستمرارية التعلم. وقد يؤدي تجاهل هذه الحقيقة إلى إبطاء تقدمك أو حتى فقدان الحماس لتعلم اللغة الإنجليزية.
نتائج فرضية المدخلات The Input Hypothesis
- الطلاقة في الحديث لا تتحقق بالممارسة وحدها: إن تعلم اللغة لا يتم بمجرد تكرار الكلام أو ممارسة مهارة التحدث باستمرار، بل يتحقق من خلال التعرض المنتظم للمدخلات اللغوية المفهومة. فالمخرجات – كالتحدث – ليست الوسيلة الرئيسية لاكتساب اللغة، وإنما هي نتيجة لما نتلقاه من محتوى لغوي. لذا، فإن المحادثات الحقيقية مع الآخرين تصبح مفيدة عندما نستمع إليهم ونفهم ما يقولونه، وليس عندما نركز فقط على ما نقوله نحن.
- مهارة التحدث لا يمكن تدريسها مباشرة: فليس هناك طريقة مباشرة لتعليم التحدث بطلاقة. هذه المهارة لا تُكتسب من خلال الحفظ أو التدرب فقط، بل تنمو تدريجيًا عندما نُعرّض أنفسنا لمدخلات مفهومة. ومع مرور الوقت، تظهر القدرة على التحدث بشكل طبيعي كنتيجة لما تم اكتسابه من اللغة.
- المدخلات المفهومة هي العنصر الأساسي لإتقان اللغة: لا توجد طريقة مختصرة أو سحرية لتعلم لغة جديدة. فالاتقان الحقيقي لا يتحقق إلا عبر الاستماع المستمر والقراءة المتنوعة لمحتوى مفهوم ومناسب لمستوى المتعلم. هذه المدخلات المتكررة هي التي تبني القاعدة اللغوية في الذهن، وتؤدي في النهاية إلى استخدام اللغة بطلاقة ودقة.
كيف تطور مهارة التحدث؟
يشير ستيفن كراشن إلى أن مهارة التحدث لا يمكن تعليمها بشكل مباشر كما هو الحال مع بعض المهارات الأخرى. فهي لا تُدرّس بطريقة تقليدية، بل تُكتسب بشكل غير مباشر كنتيجة طبيعية للتعرض المستمر للمدخلات اللغوية، أي من خلال الاستماع والقراءة. فكلما زاد ما تقرأه وتستمع إليه من مواد مفهومة، زادت قدرتك على التحدث بطلاقة وسرعة.
ولهذا، من الضروري أن تختار مواد تعليمية ملائمة لمستواك، بحيث تتمكن من فهم معناها العام دون الحاجة إلى الوقوف عند كل مفردة أو الترجمة الحرفية لكل جملة. التركيز على الفهم الكلي يسهم بشكل كبير في بناء الحس اللغوي وتعزيز القدرة على التعبير تلقائيًا.
ويؤكد الحديث عن أهمية المدخلات اللغوية أن تعلم اللغة يجب أن يتم بطريقة منهجية مدروسة. فالتركيز على مهارة التحدث منذ المراحل الأولى قد يؤدي إلى الإحباط، في حين أن البدء بتكوين قاعدة لغوية متينة من خلال القراءة والاستماع يُعد الخيار الأمثل للمبتدئين. ومع مرور الوقت والتعرض المتكرر للغة، تبدأ مهارة التحدث في الظهور والتطور بشكل طبيعي دون الحاجة إلى جهد مباشر في تعلمها.
إن تجاهل هذه الفكرة البسيطة يُعد من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى صعوبات كبيرة في تعلم اللغة الإنجليزية. فمحاولة التحدث بلغة لا تزال غير مألوفة تشبه تمامًا محاولة تشغيل سيارة من دون وجود وقود بداخلها. فالمخرجات اللغوية – مثل التحدث والكتابة – لا يمكن أن تنشأ من فراغ، بل تعتمد اعتمادًا كليًا على ما يتلقاه المتعلم من مدخلات لغوية، سواء من خلال القراءة أو الاستماع.
نقد فرضية المدخلات لكراشن The Input Hypothesis
على الرغم من أن فرضية المدخلات التي قدمها ستيفن كراشن قد حظيت باهتمام واسع في مجال اكتساب اللغات، إلا أنها لم تسلم من النقد، فقد أثار عدد من الباحثين ملاحظات مهمة بشأنها:
- لونق (Long, 1996): يوافق كراشن في أن المدخلات المفهومة تشكل عنصرًا أساسيًا في اكتساب اللغة، لكنه يرى أن الاعتماد عليها وحدها لا يكفي. فالتفاعل الحقيقي مع الآخرين من خلال اللغة، والتفاوض على المعنى خلال المحادثات، يعد أمرًا جوهريًا لتطوير الكفاءة اللغوية. ويؤكد أن الاكتساب يحدث في إطار التواصل النشط، لا من خلال الاستماع أو القراءة فقط.
- إليس (Ellis, 1990): ينتقد فرضية كراشن من حيث الأساس العلمي، مشيرًا إلى أن كراشن لم يقدّم أدلة تجريبية كافية تثبت أن المدخلات وحدها تؤدي إلى اكتساب اللغة بشكل فعال. فالنظرية، بحسب رأيه، تفتقر إلى التحقق التجريبي الصارم الذي يثبت صحة أساليب كراشن المقترحة.
- قريق (Gregg, 1988): يرى أن الاعتماد الكامل على الاكتساب دون الاستعانة بالتعلم هو تصور غير دقيق، خاصة في سياق تعلم اللغة الثانية. فالاعتماد على المدخلات فقط قد يجبر المتعلمين على تخمين قواعد لغوية لا تزال خارج نطاق مستواهم الحالي. والمشكلة في هذا النهج أنه لا يوجد ما يضمن أن هذا التخمين العشوائي سيتحول تدريجيًا إلى اكتساب فعلي أو معرفة لغوية راسخة.
وبناءً على هذه الانتقادات، يمكننا أن نستنتج أن التعلم والاكتساب ينبغي أن يسيرا جنبًا إلى جنب. فالاكتساب وحده قد لا يكون كافيًا، لا سيما بالنسبة للمتعلمين البالغين الذين قد يواجهون صعوبة في ملاحظة القواعد النحوية الضمنية فقط من خلال الاستماع أو القراءة.
فعلى سبيل المثال، إذا قام المتعلم بحضور درس يتناول قاعدة نحوية معينة وفهمها جيدًا، ثم تعرض لاحقًا لنصوص تحتوي على هذه القاعدة – كأن يقرأ قصة أو يشاهد برنامجًا – فإن هذا التعرض المتكرر سيدعم فهمه ويُرسخ القاعدة في ذهنه بطريقة فعّالة. أما إذا اكتفى فقط بقراءة نصوص دون أن يكون لديه أي خلفية نحوية مسبقة، فقد يتمكن من فهم المعنى العام للنص، ولكنه غالبًا لن يستوعب القواعد اللغوية المستخدمة فيه، مما يحدّ من قدرته على اكتساب اللغة بطريقة صحيحة ومتقنة.
فرضية المصفى الانفعاليThe Affective Filter Hypothesis
تنص فرضية المصفى الانفعالي على أن الحالة النفسية للمتعلم تلعب دورًا محوريًا وحاسمًا في عملية اكتساب اللغة. يُشبّه هذا المصفى بجهاز وهمي داخل جسم الإنسان يتحكم فيه عدد من العوامل النفسية مثل التوتر، الثقة بالنفس، والدوافع. وكل هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على مدى كفاءة هذا المصفى في السماح بوصول المدخلات اللغوية إلى العقل.
تأثير الحالة النفسية على اكتساب اللغة:
وفقًا لهذه الفرضية التي قدمها ستيفن كراشن، فإن المتغيرات العاطفية لا تؤثر بشكل مباشر على اكتساب اللغة الإنجليزية، بل تؤثر على قدرة المدخلات اللغوية على الوصول إلى ما يُعرف بـ”جهاز اكتساب اللغة” (Language Acquisition Device – LAD)، وهو جزء من الدماغ مسؤول عن اكتساب اللغة، كما وصفه نعومي تشومسكي.
فعلى سبيل المثال، إذا كنت تعاني من التوتر أو ضعف الثقة بالنفس، أو تفتقر إلى الدافع لتعلم اللغة، فقد تفهم المدخلات اللغوية التي تسمعها أو تقرأها، لكن هذه المدخلات لن تصل إلى جهاز اكتساب اللغة. ونتيجة لذلك، لن تتمكن من اكتساب اللغة بشكل فعال، ولن تستخدمها في التحدث أو الكتابة.
بعبارة أخرى، يمثل المصفى الانفعالي حاجزًا نفسيًا يمنع من تدفق المعلومات اللغوية الضرورية للاكتساب.
على الجانب الآخر، إذا كنت تتمتع بثقة عالية بنفسك، وتكون في حالة نفسية مستقرة، وتمتلك دافعًا قويًا لتعلم اللغة، فإن المصفى الانفعالي سيكون منخفضًا، مما يسمح بوصول المدخلات اللغوية بسهولة إلى جهاز اكتساب اللغة، وبالتالي تزداد فرصتك في اكتساب اللغة بسرعة وسلاسة.
لذلك، لا يكفي أن تكون المدخلات اللغوية مفهومة فقط، بل يجب أن تكون الحالة النفسية للمتعلم ملائمة ومهيأة لاستقبال هذه المدخلات لتحقيق اكتساب فعّال.
نقد فرضية المصفى الانفعالي The Affective Filter Hypothesis
انتقد بعض الباحثين فرضية المصفى الانفعالي، ومن أبرزهم الباحث قريق، الذي أجرى دراسة حالة على سيدة صينية أتمت تعلم اللغة الإنجليزية بطلاقة توازي مستوى المتحدثين الأصليين، لكنها لم تستطع تعلم قاعدة المفرد الثالث. وهنا يطرح التساؤل: كيف يسمح المصفى الانفعالي لها باكتساب معظم قواعد اللغة بطلاقة، إلا هذه القاعدة تحديدًا؟
يُعد هذا المثال تحديًا واضحًا لفرضية المصفى الانفعالي، خصوصًا أن كراشن لم يقدم ردًا مقنعًا على هذا الانتقاد حتى الآن.
ختامًا،لقد قدمت فرضيات كراشن إطارًا مهمًا وقيّمًا لفهم عملية اكتساب اللغة الثانية بفعالية، حيث تشمل هذه الفرضيات الخمس:
- فرضية التدرج الطبيعي
- فرضية المدخلات
- فرضية المراقب
- فرضية المصفى الانفعالي
- فرضية التعلم والاكتساب
وبالنسبة للمتعلمين البالغين، يمكن الاستفادة من هذه الفرضيات وتطبيقها عمليًا لتحقيق أفضل نتائج في تعلم اللغة.
ختامًا، رغم الانتقادات، تبقى فرضيات كراشن حجر زاوية في فهم اكتساب اللغة الثانية، وتوفر دليلًا عمليًا للمتعلمين على اختلاف مستوياتهم. وباستخدام هذه الفرضيات بذكاء، يمكن تحقيق تقدم ملحوظ في تعلم اللغة.
المراجع:
تمت الترجمة من المصادر التالية:
Monitoring the ‘Monitor’: A Critique Krashen’s Five Hypotheses